علاج اعتلالات الشبكية السكري

يُعَدُّ اعتلال الشبكية السكري من المضاعفات الشائعة لداء السكري، وهو أحد الأسباب الرئيسية لفقدان البصر والعمى بين البالغين في سن العمل. ينجم هذا المرض عن تلف الأوعية الدموية في الشبكية بسبب فرط سكر الدم المزمن. ومع ازدياد معدل انتشار السكري عالميًا، أصبح اعتلال الشبكية السكري تحديًا صحيًا عامًا متزايدًا. يهدف هذا البحث إلى تقديم فهم شامل لاعتلال الشبكية السكري، من خلال مناقشة الفيزيولوجيا المرضية، عوامل الخطورة، الأعراض، طرق التشخيص، وخيارات العلاج. من خلال تحسين فهمنا لهذا المرض، يمكننا تعزيز الوقاية والتشخيص المبكر والإدارة السريرية، مما يساعد في تقليل معدلات فقدان البصر.
الوظيفة الطبيعية للشبكية
الشبكية هي نسيج رقيق في الجزء الخلفي من العين مسؤول عن تحويل الضوء إلى إشارات عصبية تُرسل إلى الدماغ. تتكون من الخلايا المستقبلة للضوء، الأوعية الدموية، والأنسجة الداعمة التي تحافظ على الوظيفة البصرية. في العين السليمة، يمر الضوء عبر القرنية والعدسة ويركز على الشبكية لتكوين صور واضحة.
فرط سكر الدم وتلف الشبكية
يُعد فرط سكر الدم المزمن السبب الرئيسي لتلف الشبكية في اعتلال الشبكية السكري. يؤدي ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم إلى تغييرات كيميائية حيوية في الأوعية الدموية الدقيقة للشبكية، مما يسبب سلسلة من التغيرات المرضية، منها:
• التغيرات الوعائية الدقيقة: تشمل زيادة سمك الغشاء القاعدي للشعيرات الدموية، فقدان الخلايا البِيرِيسيتِيَّة (Pericytes)، وتشكُّل تمددات وعائية دقيقة (Microaneurysms). تؤدي هذه التغيرات إلى تسرُّب السوائل، وذمة الشبكية، وتكوُّن الإفرازات الصلبة.
• الإجهاد التأكسدي والالتهاب: يؤدي ارتفاع الجلوكوز إلى تحفيز الإجهاد التأكسدي والمسارات الالتهابية، مما يُسهم في اختلال وظائف البطانة الوعائية وزيادة الضرر الوعائي.
• التكوّن الوعائي الجديد: كرد فعل لنقص الأكسجين في الشبكية، تحفز عوامل نقص الأكسجة (HIFs) إنتاج عامل نمو بطانة الأوعية الدموية (VEGF)، مما يؤدي إلى تشكُّل أوعية دموية هشة معرضة للنزيف، مسببة نزيفًا زجاجيًا وانفصالًا شبكيًا شدِّيًا.
1. اعتلال الشبكية السكري غير التكاثري (NPDR):
o المرحلة المبكرة من المرض.
o يتميز بظهور تمددات وعائية دقيقة، نزيف نقطي، إفرازات صلبة، وذمة شبكية.
o قد يتراوح بين خفيف، متوسط، وشديد، تبعًا لشدة التغيرات الوعائية.
2. اعتلال الشبكية السكري التكاثري (PDR):
o المرحلة المتقدمة من المرض.
o يتميز بوجود أوعية دموية جديدة غير طبيعية تنمو على سطح الشبكية والعصب البصري.
o يمكن أن يؤدي إلى نزيف زجاجي وانفصال شبكي شدِّي، مما يزيد خطر فقدان البصر.
3. وذمة البقعة السكرية (DME):
o تتراكم السوائل في البقعة المركزية للشبكية، المسؤولة عن الرؤية التفصيلية.
o يمكن أن تحدث في أي مرحلة من اعتلال الشبكية السكري، وهي سبب رئيسي لفقدان البصر لدى مرضى السكري.

مدة الإصابة بالسكري
يزداد خطر الإصابة باعتلال الشبكية السكري مع زيادة مدة الإصابة بمرض السكري. تشير الدراسات إلى أن جميع مرضى السكري من النوع الأول تقريبًا وأكثر من 60% من مرضى السكري من النوع الثاني يصابون بدرجة معينة من اعتلال الشبكية بعد مرور 20 عامًا على الإصابة.
التحكم في نسبة السكر في الدم
يرتبط ضعف التحكم في مستويات السكر في الدم ارتباطًا وثيقًا ببداية المرض وتطوره. يساعد الحفاظ على مستويات جلوكوز مثالية في تقليل خطر اعتلال الشبكية وإبطاء تقدمه. أكدت دراستان رئيستان، وهما دراسة التحكم في مرض السكري ومضاعفاته (DCCT) والدراسة البريطانية للسكري (UKPDS)، أن ضبط السكر المشدد يقلل بشكل كبير من معدل الإصابة باعتلال الشبكية السكري.
ارتفاع ضغط الدم
يساهم ارتفاع ضغط الدم في تفاقم تلف الأوعية الدموية في الشبكية، مما يزيد من خطر الإصابة باعتلال الشبكية السكري. يُعَد التحكم في ضغط الدم من خلال تعديلات نمط الحياة والأدوية أمرًا ضروريًا في تقليل المخاطر.
اضطرابات الدهون في الدم (Dyslipidemia)
يمكن أن تؤدي مستويات الدهون غير الطبيعية إلى تكوين إفرازات صلبة ووذمة في البقعة الصفراء، مما يزيد من تعقيد اعتلال الشبكية السكري. يساعد ضبط الدهون باستخدام الستاتينات والأدوية الخافضة للدهون في تقليل المضاعفات الشبكية.
الحمل
تزيد الحمل لدى النساء المصابات بالسكري المسبق أو سكري الحمل من خطر تطور اعتلال الشبكية السكري أو تفاقمه. يُسَرِّع الحمل من تطور المرض، لذا يتطلب مراقبة دقيقة وعلاجًا مناسبًا خلال هذه الفترة.
العوامل الوراثية
تلعب العوامل الجينية دورًا في القابلية للإصابة باعتلال الشبكية السكري. لا يزال البحث جاريًا لتحديد العلامات الجينية المرتبطة بالمرض وفهم مدى تأثيرها.
عوامل نمط الحياة
يمكن أن تساهم بعض العادات غير الصحية، مثل التدخين، قلة النشاط البدني، والنظام الغذائي غير المتوازن، في تطور اعتلال الشبكية السكري. يُعَد تشجيع العادات الصحية أمرًا ضروريًا للحد من المخاطر.
الأعراض المبكرة
في المراحل المبكرة، قد يكون اعتلال الشبكية السكري عديم الأعراض، مما يعني أن المريض لا يشعر بأي تغيير في الرؤية حتى يتقدم المرض. تشمل العلامات المبكرة التي قد تمر دون ملاحظة تمددات وعائية دقيقة ، نزيف بسيط في الشبكية.
الأعراض المتقدمة
مع تقدم المرض، قد يُعاني المريض من:
• تشوش الرؤية: صعوبة في رؤية الأشياء بوضوح، خاصة أثناء القراءة أو القيادة.
• الذبابة الطائرة(Floaters): ظهور بقع سوداء أو خطوط متحركة في مجال الرؤية بسبب النزيف في الجسم الزجاجي.
• بقع مظلمة أو مناطق فارغة في الرؤية: فقدان أجزاء من المجال البصري بسبب نقص تروية الشبكية.
• ضعف الرؤية الليلية: صعوبة في الرؤية في الظلام أو الإضاءة الخافتة بسبب تلف الشبكية.
المضاعفات
في الحالات المتقدمة، قد يؤدي اعتلال الشبكية السكري إلى مضاعفات خطيرة، مثل:
• النزيف الزجاجي (Vitreous Hemorrhage): تسرب الدم إلى الجسم الزجاجي، مما يسبب فقدانًا مفاجئًا للرؤية.
• انفصال الشبكية الشدي (Tractional Retinal Detachment): تكوُّن أنسجة ندبية تشد الشبكية وتفصلها عن موضعها الطبيعي.
• الجلوكوما الوعائية الجديدة (Neovascular Glaucoma): ارتفاع ضغط العين بسبب نمو أوعية دموية غير طبيعية تعيق تصريف السوائل داخل العين.
قد تؤدي هذه المضاعفات إلى فقدان الرؤية الدائم أو العمى في حالة عدم علاجها بشكل مناسب.
الفحص السريري
يُعَد الاكتشاف المبكر لاعتلال الشبكية السكري أمرًا بالغ الأهمية، ويتم ذلك من خلال فحوصات العين الشاملة التي يجريها أخصائيو البصريات أو أطباء العيون، وتشمل:
• فحص قاع العين الموسع (Dilated Fundus Examination): يتم استخدام منظار العين (ophthalmoscope) لفحص الشبكية بعد توسيع الحدقة، مما يسمح برؤية تفصيلية للهياكل الشبكية وتحديد أي تشوهات.
• تصوير قاع العين (Fundus Photography): تقنية تصوير شبكية العين لتوثيق التغيرات الشبكية ومتابعتها بمرور الوقت.
الفحوصات التشخيصية
تساعد التقنيات التشخيصية المتقدمة في اكتشاف اعتلال الشبكية السكري وتقييم شدته، ومنها:
• تصوير الأوعية بالفلوريسين (Fluorescein Angiography): يتضمن حقن صبغة الفلوريسين في مجرى الدم، مما يساعد في إبراز الأوعية الدموية الشبكية وتحديد مناطق التسرب، تمدد الأوعية الدقيقة (microaneurysms)، وتكوين الأوعية الدموية غير الطبيعية.
• التصوير المقطعي البصري (Optical Coherence Tomography – OCT): تقنية تصوير غير جراحية توفر صورًا مقطعية عالية الدقة للشبكية، وتساعد في قياس سمك الشبكية وكشف وجود وذمة البقعة الصفراء السكرية.
• التصوير المقطعي البصري للأوعية (OCT Angiography – OCTA): تقنية حديثة تتيح تصوير تدفق الدم في الشبكية دون الحاجة إلى صبغة، مما يساعد في اكتشاف المناطق التي تعاني من نقص التروية والأوعية الدموية غير الطبيعية.
تعتبر هذه الطرق التشخيصية ضرورية لتحديد مرحلة اعتلال الشبكية السكري واتخاذ القرار العلاجي المناسب
اعتلال الشبكية السكري
استراتيجيات الوقاية
تُعد الوقاية حجر الأساس في إدارة اعتلال الشبكية السكري، وتشمل:
• التحكم في سكر الدم: يُعتبر الحفاظ على مستويات جلوكوز مستقرة أمرًا بالغ الأهمية لمنع اعتلال الشبكية أو إبطاء تطوره، ويتم ذلك من خلال مراقبة نسبة السكر بانتظام ، الالتزام بالأدوية الموصوفة ،اتباع نمط حياة صحي يشمل التغذية السليمة والتمارين الرياضية.
• التحكم في ضغط الدم: تقليل ارتفاع ضغط الدم باستخدام الأدوية وتعديلات نمط الحياة يساعد في حماية الأوعية الدموية الشبكية من التلف.
• إدارة الدهون في الدم: يساعد استخدام الأدوية المخفضة للكوليسترول مثل الستاتينات في تقليل المضاعفات الشبكية.
• الفحوصات الدورية للعين: يُوصى بإجراء فحص سنوي لقاع العين لجميع مرضى السكري للكشف المبكر عن أي تغيرات.
العلاجات الدوائية
تتوفر عدة علاجات دوائية للتحكم في اعتلال الشبكية السكري، منها:
• العلاج المضاد لعامل نمو بطانة الأوعية الدموية (Anti-VEGF Therapy):
o يتم حقن أدوية مثل رانيبزوماب (Ranibizumab) وأفليبيرسيبت (Aflibercept) داخل الجسم الزجاجي للعين.
o تساعد هذه الأدوية في منع تكوين الأوعية الدموية غير الطبيعية وتقليل وذمة البقعة الصفراء.
o تعتبر فعالة في علاج كل من اعتلال الشبكية السكري التكاثري (PDR) ووذمة البقعة السكرية (DME).
• الستيرويدات القشرية (Corticosteroids):
o تُستخدم الحقن داخل الجسم الزجاجي للحد من الالتهاب وتقليل التورم في حالات وذمة البقعة الصفراء.
o تُعد خيارًا للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاج المضاد لعامل نمو بطانة الأوعية الدموية.
العلاج بالليزر
يُعد العلاج بالليزر أحد العلاجات الفعالة في التحكم في اعتلال الشبكية السكري، ويشمل:
• التخثير الضوئي البؤري/الشبكي (Focal/Grid Laser Photocoagulation):
o يُستخدم لعلاج وذمة البقعة السكرية من خلال استهداف مناطق التسرب وتقليل تراكم السوائل، مما يساعد في استقرار الرؤية.
• التخثير الضوئي الشامل للشبكية (Panretinal Photocoagulation – PRP):
o يُستخدم في اعتلال الشبكية السكري التكاثري (PDR).
o يعمل على إحداث حروق صغيرة في الشبكية المحيطية لتقليل نمو الأوعية الدموية غير الطبيعية ومنع المضاعفات مثل النزيف الزجاجي وانفصال الشبكية.
التدخلات الجراحية
في الحالات المتقدمة، قد يكون التدخل الجراحي ضروريًا، ويشمل:
• استئصال الجسم الزجاجي (Vitrectomy):
o عملية جراحية يتم فيها إزالة النزيف الزجاجي أو الأنسجة الليفية التي تسبب شدًا على الشبكية.
o تساعد في تحسين الرؤية ومنع المزيد من التلف.
• جراحة انفصال الشبكية (Retinal Detachment Surgery):
o تُستخدم تقنيات مختلفة لإصلاح انفصال الشبكية، مثل:
تثبيت الصلبة (Scleral Buckling).
استئصال الجسم الزجاجي.
حقن غاز داخل العين (Pneumatic Retinopexy) لدفع الشبكية إلى مكانها الطبيعي.
تُحدد هذه العلاجات وفقًا لحالة المريض وتهدف إلى الحفاظ على الرؤية أو استعادتها قدر الإمكان.
تثقيف المرضى
يُعد تثقيف المرضى أحد العناصر الأساسية في إدارة اعتلال الشبكية السكري، حيث يساعدهم على:
• فهم مخاطر المرض وأهمية المتابعة الدورية.
• إدراك تأثير السكري على صحة العين وأهمية التحكم الصارم في نسبة السكر في الدم.
• الالتزام بالفحوصات الدورية للعين لاكتشاف أي تغيرات مبكرة وعلاجها فورًا.
تعديلات نمط الحياة
تُعتبر تغييرات نمط الحياة ضرورية للحد من خطر تطور اعتلال الشبكية السكري، وتشمل:
• اتباع نظام غذائي صحي:
o زيادة استهلاك الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون.
o تقليل تناول السكريات والكربوهيدرات المكررة للحفاظ على استقرار نسبة السكر في الدم.
• ممارسة الرياضة بانتظام:
o تساعد التمارين الرياضية في تحسين حساسية الأنسولين والتحكم في مستويات السكر في الدم.
o يُوصى بممارسة التمارين الهوائية مثل المشي السريع أو السباحة لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا.
• الإقلاع عن التدخين:
o يزيد التدخين من خطر تلف الأوعية الدموية ويُسرّع من تقدم اعتلال الشبكية السكري.
o يساعد الإقلاع عن التدخين في تحسين صحة الأوعية الدموية وتقليل المضاعفات.
التنبؤ بمسار المرض (Prognosis)
يمكن أن يكون تشخيص اعتلال الشبكية السكري إيجابيًا إذا تم الاكتشاف المبكر وإجراء العلاج المناسب.
• الكشف المبكر والتدخل السريع يساعدان في منع فقدان البصر.
• العلاجات الحديثة مثل العلاج المضاد لعامل نمو بطانة الأوعية الدموية (Anti-VEGF) والعلاج بالليزر ساهمت في تحسين النتائج البصرية للمرضى.
• في المراحل المتقدمة، يمكن أن تساعد التدخلات الجراحية مثل استئصال الجسم الزجاجي في استعادة الرؤية جزئيًا أو منع المزيد من التدهور.
• الالتزام بالعلاج والمتابعة الطبية المنتظمة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الرؤية ومنع المضاعفات.
يُعد اعتلال الشبكية السكري من أخطر المضاعفات البصرية لداء السكري، مما يستلزم إدارة شاملة لمنع فقدان البصر. تُعتبر الفحوصات المنتظمة، التحكم في نسبة السكر في الدم، والعلاج الفوري حجر الأساس في الوقاية والعلاج. كما أن التطورات المستمرة في التقنيات الطبية تقدم فرصًا جديدة لتحسين رعاية المرضى وتقليل معدل فقدان البصر. من خلال الفهم العميق للعوامل المسببة للمرض وطرق علاجه، يمكن لمقدمي الرعاية الصحية تحسين جودة حياة المرضى وتقليل العبء الناتج عن هذا المرض البصري الخطير.

الدوار الثامن – شارع البيادر الرئيسي
المبنى16
عمان، الأردن
Tel. 00962798507199
info@eiadeyeclinic.com
Copyright © 2025[IEC]. Powered by [viadm.net]